إذا كان الطفل التونسي يريد أن يفتخر فلا بد أن يفتخر بما وفّره له المشرع من حقوق وما وفرته له الدولة من مؤسسات لفائدته وتبقى الغاية الأساسية هي النهوض به وتوفير أفضل ظروف النمو السليم والمتوازن لفائدته في عالم متغير ومتحوّل على كافّة المستويات وفي زمن تتصارع فيه الثقافات وتتنافس فيه المجتمعات لفرض قيمها وأفكارها ورؤاها في جميع المجالات خاصة ونحن نعيش فعليا عصر "العالم القرية" الذي نظّر له المفكرون منذ عشرات السنين ولكنه الآن أصبح واقعا ملموسا .
وإن من عجائب هذا الزمن أنك تستطيع أن تجول العالم وتتصل بالعديد من الأشخاص وتتحدث إليهم وتتبادل معهم أفكارك وخواطرك وأنت جالس على كرسيك ويكفيك أن تضغط على بعض الأزرار حتى تجد نفسك محاطا بعالم من الأشخاص والأفكار والمعلومات .
إن ما تحقق للطفل التونسي هو استباق وإدراك لكل ذلك على أكثر من مستوى :
1- في مستوى الاستراتيجيات السياسية والاجتماعية والثقافية :
إن إيمان أعلى هرم فــــــي السلطة سيادة رئيس الجمهورية بالإنسان كوسيلة وهدف وكثروة لا تقدر بثمن كان منطلقا حتى يأذن سيادته بأن تكون العناية بالطفولة من أولويات الدولة فكان أن أذن بإنشاء المجلس الأعلى للطفولة الّذي ينظر في سياسة الدولة في ميدان الطفولة في المستوى الاستراتيجي والاستشرافي ، ويخصص سيادته أول مجلس وزاري من كل سنة إداريّة جديدة للنظر في أوضاع الطفولة ومشاغلها وسبل النهوض بها انطلاقا من تقرير سنوي يقع إعداده في الغرض مع تخصيص جائزة رئاسيّة سنويّة لفائدة المتميّزين من العاملين في حقل الطّفولة ، كما لا تفوت مناسبة هامّة إلا ونسمع من سيادة رئيس الدولة أثمن التوجيهات والقرارت في هذا الميدان .
وقد انعكس كل ذلك إيجابا على برامج وأنشطة الوزارات التي تعنتي بالطفولة وخاصّة وزارة الإشراف ، وزارة شؤون المرأة و الأسرة و الطفولة و المسنين وقد نخصص مقالا آخر مستقلا حول برامج وأنشطة ومؤسسات الوزراة في ميدان الطفولة ) .
2- في مستوى التشريع :
إن النشريعات المتوفرة بتونس لفائدة الطفولة لا تضاهيها سوى بعض البلدان المتقدّمة جدّا ، وهذه العبارة ليست من قبيل الإنشاء بل واقع نلمسه ونقدم بعض الأمثلة على سبيل الذكر لا الحصر لتقريب هذه الفكرة :
- تعتبر تونس من الدول الأولى التي صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة فـــــــي 20 نوفمبر 1989 ، فقد أمضت تونس على هذه الاتفاقية في 29 نوفمبر من سنة 1991 ثم أمضت على البروتوكلين الاختياريين الملحقين بها في 25 أوت من سنة 2003 وألغت أخيرا كل التحفظات على هذه الاتفاقية ، ولم تكن هذه المصادقة صورية أو شكلية بل تبعتها مجموعة من الإجراءات والقرارات الهامة انعكست بشكل إيجابي على أوضاع الطفولة بتونس وأكدت التزام دولتنا بكل ما يمكن أن يساهم في النهوض بالطفل وضمان حقوقه ودعمها انطلاقا من الإيمان بأن العناية بالطفل هي عناية بالمستقبل .
- إصدار مجلّة حماية الطّفل في 09 نوفمبر 1995 : إن هذه المجلة تعتبر مكسبا تشريعيا وحضاريا رائدا لا فقط مقارنة بالدول الافريقيّة والعربيّة بل مقارنة بالدّول الأكثر تقدّما اعتبارا إلى الفلسفة التي قامت عليها والأهداف والغايات الّتي تسعى لتحقيقها في إطار نظرة شموليّة واستشرافيّة لحقوق الانسان بشكل عام ولحقوق الطّفل بشكل خاصّ آخذة في الاعتبار خصوصيّات الطّفل وحاجياته من جهة وخصوصيات وحاجيات الأسرة والمجتمع من جهة أخرى .
-تعديل فصول بعض المجلات القانونية ( مجلّة الشغل ، مجلة الأحوال الشخصيّة ، المجلّة الجزائيّة ، مجلّة الجنسيّة ) بما يتلاءم مع مبادئ المجلّة وبما يخدم المبدإ الأهم وهو مصلحة الطّفل الفضلى .
وذلك بالإضافة إلى عدّة قوانين وأوامر أخرى تشمل كافّة المجالات ذات العلاقة بالطّفل والأسرة ( القانون التوجيهي للتربة والتعليم ، القانوني التوجيهي الخاص بالأشخاص المعوقين ، الأوامر الخاصّة بتنظيم المؤسّسات الّتي تعتني بالطّفولة ذات الاحتياجات الخصوصيّة مثل المراكز المندمجة والمعهد الوطني لرعاية الطّفولة ...)
3- في مستوى المؤسّسات والجمعيات والمنظّمات :
يتوفر ببلادنا نسيجا جمعياتيا ومؤسّساتيا متنوّعا ، فبالإضافة إلى المؤسّسات التعليميّة نجد المؤسّسات التربويّة الترفيهيّة ( رياض ونوادي الأطفال ، مراكز الإعلامية الموجّهة للطّفل ، مركبات الطّفولة والمراكز المندمجة للشباب والطّفولة ) بالإضافة إلى عدد هام من الجمعيّات والمنظّمات التي تحتضن الأطفال والشبان خارج أوقات الدّراسة وتعاضد مجهود الدولة في الإحاطة بالأطفال وتمكينهم من أنشطة تربويّة وترفيهيّة مفيدة وتساعدهم على تطوير قدراتهم وتعزيز مواهبهم وحثّهم على الابتكار والخلق والإبداع ..
كما لا تفوت الإشارة إلى إنشاء فضائي "برلمان الطّفل " و "المجالس البلديّة للأطفال" حيث يتاح للطّفل التمرّس على التجربة الديمقراطيّة والتعبير الحر و المسؤول عن الرأي واكتساب تقنيات الحوار وتبادل الأفكار والاطلاع على ملامح التنمية بمختلف برامجها ومخططاتها خاصّة وان جلسات الحوار سواء في برلمان الطّفل أو في المجالس البلدية للأطفال تكون بحضور مسؤولين من أعلى مستوى وطنيا وجهويا ومحليّا
لكل ذلك نقول إنّ الطّفل في تونس لا يجب أن يكون إلاّ مبدعا ومتـالّقا وقادرا على استيعاب ما يجدّ من تطوّرات وتغيّرات ومؤهّلا لرفع كل التحدّيات حتّى يكون في مستوى المسؤوليّة الملقاة عليه وهو أن يكون في المستقبل في مواقع القرار والمسؤوليّة .
هذا ما أردت أن أمهّد به الحديث حول حقوق الطّفل وهو ميدان شاسع ينتظر مساهمات وتساؤلات واستفسارات زوار وأصدقاء المنتدى لمزيد من التحليل والتوضيح .
موضوع: حقوق الطفل في تونس 
الإثنين ديسمبر 20, 2010 9:52 pm
